في الحياة المتغيرة التي يعيشها اليوم كل بني الانسان ومع سيطرة قيم المادة والنزعة الفردية على كل ما هو قيمي وأخلاقي .تزداد في عالمنا المعاصر مساحات تجاهل الاخراو الاهتمام بشؤونه أو على الأقل محاولة معرفته كما هو.سواء تعلق الامر بحال الافراد اوالمجتمعات.ونظرا لأهميةالتواصل في حياتنا كبشر وحاجتنا الشديدة اليه سأحاول أن أعرض في المقال التالي صورة بديعة للتواصل مع الغير مثلها خير خلق الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.لعلها تكون الصورة النموذج لكل انسان ليحقق معاني قوله تعالى(يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم)ا
أ ـ مفهوم التواصل
التواصل في معجم اللغة يفيد معنى الالتئام والارتباط والاجتماع والاعلام والمخاطبة.فهو عبارة عن علاقة تفاعل بين شخصين أو أكثر بوسائل مختلفة(كاللغة أو الرموز أو الأصوات) وتتوخى أهدافا واضحة كما أشار الى ذلك شارل كولي (هو الميكانيزم ـ أو الآلية ـ الذي بواسطته توجد العلاقات الانسانية وتتطور)اذن فنجاح أي علاقة انسانية ذات طابع معرفي أو اجتماعي أو سيكولوجي يحتاج الى حسن تواصل
ب ـ علاقة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتواصل وأبعاده
كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بشرا رسولا يحمل على عاتقه مهمة تبليغ رسالة ربه الى الناس كافة فكان لا يألو جهدا في مخاطبة أهله وقومه وسائر قبائل العرب بل امتدت دعوته لتشمل ملوك فارس والروم وغيرهم من الأمم تطبيقا لأمر الله تعالى (وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا)لذلك نجد سيرته صلى الله عليه وسلم غنية بصور تواصله مع غيره من الناس ويبرز فيها الطابع المميز لرسول الله صلى الله عليه وسلم في آدابه وحكمته في الحديث,أو مجادلته لاقامة الحجة أو معاملته لأصحابه وعامة المسلمين.لذلك نعرض لصور من هديه صلى الله عليه وسلم في تواصله مع الغير من خلال النماذج التالية
ـ أساليب تواصل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الغير
استطاع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والذي كان خلقه القرآن أن يصل الى قلوب جميع الناس ويحصل على محبتهم واعجابهم كبشر رسول وهذا لما تميز به من أخلاق وصفات عظيمة جعلته قدوة للتأسي ويمكن من خلال استقراء نماذج من سيرته صلى الله عليه وسلم أن نحدد بعض الأساليب المهمة التي اعتمد عليها في تواصله الناجح مع كل أفراد المجتمع
ـ أسلوبه صلى الله عليه وسلم في مخاطبة الغير أو الحديث معه
يروي أهل السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام ويبتسم في وجهه ويتكلم بكلام بين واضح وربما أعاد الكلام أكثر من مرة ليفهم المخاطب مقصوده فقد جاء عن هند بن أبي هالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مالقي أحدا الا وبدأه بالسلام .وعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال (ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم )وعن عائشة رضي الله عنها قالت (ما كان رسول الله يسرد كسردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس اليه)ويروي أنس رضي الله عنه فيقول (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه.)هذا بشأن مخاطبته لعامة المسلمين أما مخاطبته لعامة مخالفيه فقد تميزت بحسن الاستماع ومقابلة الحجة بالحجة وعدم مقابلة الاساءة بالاساءة.وفي قصة عتبة بن ربيعة المشرك الذي جاء ليغري رسول الله صلى الله عليه وسلم بعروضه ليترك الدعوة الى الله فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يستمع اليه ولا يقاطعه حتى فرغ الرجل قال أفرغت يا أبا الوليد قال بلى,فقرأ عليه طرفا من سورة فصلت ثم قال له قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك وكان المشركون بمكة يطرحون عليه رحم الشاة وهو يصلي فكان يحمله على العود ويقف على بابه ويقول(يا بني عبد مناف أي جوار طريق
ـ اهتمامه صلى الله عليه وسلم باللعب والممازحة والمداعبة كأسلوب للتواصل أحيانا مع النساء والأطفال,فقد جاء في السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث بنات الأنصار يلعبن مع زوجه عائشة رضي الله عنها وكان يمكنها من اللعب ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده,وسابقها في السفر على الأقدام مرتين وتدافعا في خروجهما من المنزل من المنزل مرة وعن أنس رضي الله عنه قال ان كان رسول الله ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير (يا أبا عمير ما فعل النغير).وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال,قالوا يا رسول الله انك تداعبنا قال (نعم غيرأني لا أقول الا حقا)وجاء كذلك عن أنس رضي الله عنه قال,كان رجل يسوق بأمهات المؤمنين فاشتد في السياقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم(يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير
ـ ابراز النبي صلى الله عليه وسلم لمزايا الرفق والرحمة والتواضع الشديد مع لين الجانب في
تواصله مع الناس
اذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد غدا عند أصحابه وأتباعه أحب اليهم من أنفسهم وأهليهم فان مرد ذلك الى ايمانهم الصادق بنبوته ورحمته ورفقه الشديد بهم وتواضعه كما تروي ذلك أحداث السيرة الشهيرة فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ذات ليلة في حجرته فجاء أناس فصلوا بصلاته فخفف فدخل البيت ثم خرج فعاد مرارا كل ذلك يصلي فلما أصبح قالوا با رسول الله صليت ونحن نحب أن تمد في صلاتك قال (قد علمت بمكانكم وعمدا فعلت ذلك)وعن أنس رضي الله عنه أيضا أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له ان لي اليك حاجة فقال(اجلسي في أي طريق المدينة شئت أجلس اليك وقال أنس رضي الله عنه (خدمت رسول الله في السفر والحضر والله ما قال لي لشيء صنعتهلم صنعت هذا هكذا..ولا لشيءلم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا)..ويروي انس كذلك قال( لم يكن شخص أحب اليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاموا اذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته ذلك....
ان سيرة محمد صلى الله عليه وسلم غنية بصور التفاعل والتواصل الايجابي والنموذجي والذي يحقق ذلك التفاعل النفسي والفكريبين الافراد لينجحوا في تحقيق التعارف والتعاون الذي هو مراد الله تعالى من اختلاف الأقوام والشعوبعلى وجه الأرض وينهضوا بمهمة العبودية التامة لله تعالى بنشر الخير والفضيلة قال تعالى( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وأنه اليه تحشرون.